بيروت ـ داود رمال
لن يمر إقرار الحكومة اللبنانية لمشروع قانون الانتظام المالي المعروف بـ«قانون الفجوة المالية» مرورا عاديا، بل تحول إلى محطة سياسية واقتصادية مفصلية أعادت فتح واحد من أعقد ملفات الانهيار المالي منذ عام 2019، ووضعت الدولة وجها لوجه أمام ملف طال تأجيله، في وقت بدت فيه السلطة السياسية أمام اختبار جدي لخياراتها وقدرتها على مقاربة الخسائر المتراكمة بوضوح وعدالة.
وقال مصدر وزاري عارض مشروع القانون لـ«الأنباء»: «ما جرى في مجلس الوزراء لا يمكن فصله عن مناخ الانقسام السياسي العميق الذي يحيط بالملف المالي، وتمرير المشروع بأكثرية ضيقة حوله من خطوة إنقاذية مفترضة إلى مادة خلافية قابلة للنسف في أول محطة نيابية. والحكومة بدل أن تبني توافقا واسعا حول قانون بهذا الحجم، اكتفت بترحيل الأزمة إلى البرلمان، مدركة أن الكتل النيابية ستتعامل مع المشروع من زوايا سياسية وشعبوية أكثر منها إصلاحية».
وأشار المصدر إلى أن «النقاشات التي سبقت الإقرار أظهرت بوضوح حجم الثغرات في المقاربة المعتمدة، سواء لجهة آلية توزيع الخسائر أو فيما يتعلق بمصادر التمويل والضمانات. كما أن غياب حاكم مصرف لبنان عن الجلسة الأخيرة وانتقاداته العلنية للمشروع شكلا دليلا إضافيا على أن القانون لم ينضج بالشكل الكافي، وأنه عرض للتصويت قبل استكمال عناصره التقنية والمالية».
ورأى «ان الحديث عن حماية صغار المودعين واستعادة ودائع الغالبية منهم يبقى، في صيغته الحالية، أقرب إلى إعلان نيات منه إلى التزام قانوني صلب، خصوصا في ظل غياب جدول زمني واضح للتنفيذ وآليات رقابية صارمة تضمن عدم تكرار التجربة السابقة مع القوانين التي بقيت حبرا على ورق. وأن تحميل كبار المودعين أدوات مالية طويلة الأجل، مهما كانت مسمياتها، يطرح إشكالية الثقة بقدرة الدولة على الإيفاء بالتزاماتها في المديين المتوسط والبعيد.
وحذر المصدر من أن «ربط القانون بوعود استكمال التدقيق الجنائي والمحاسبة، من دون تضمين نصوص واضحة وملزمة، قد يحول هذا العنوان إلى عنصر تجميلي لا أكثر، لأن التجارب السابقة لا تشجع على الاطمئنان، وأن أي معالجة جدية للفجوة المالية يجب أن تنطلق من تحديد دقيق للمسؤوليات، بدءا من السياسات المالية والنقدية التي اعتمدت منذ عقود، وصولا إلى إدارة المصارف ومصرف لبنان، قبل الانتقال إلى تحميل المودعين أي أعباء مباشرة أو غير مباشرة».
وعن المسار البرلماني، اعتبر المصدر أن «توازنات مجلس النواب تجعل من المستحيل تقريبا مرور المشروع بصيغته الحالية، لأن القوى المعترضة تمتلك أكثرية قادرة على فرض تعديلات جوهرية أو حتى إسقاط القانون إذا لم يعاد النظر بفلسفته العامة. كما ان النقاش في اللجان النيابية سيكون طويلا وشاقا، وقد يتحول إلى ساحة تصفية حسابات سياسية، ما يهدد بإغراق الملف في مزيد من المماطلة بدل تقديم حل سريع وعادل».
وختم بالتأكيد على أن «لبنان بحاجة فعلية إلى قانون ينظم الخسائر ويعيد الانتظام إلى القطاع المالي، لكن ليس بأي ثمن، وهذا يدعونا إلى التحذير من أن تمرير قوانين ناقصة أو ملتبسة قد يفاقم الأزمة بدل حلها، ويضرب ما تبقى من ثقة المودعين بالدولة. لذا المطلوب اليوم ليس تسجيل نقاط سياسية أو إرسال رسائل خارجية، بل إنتاج تشريع متوازن وقابل للتنفيذ يضع مسار التعافي على أسس واقعية وعادلة».









0 تعليق